{الَّذِينَيُنْفِقُونَفِيالسَّرَّاءِوَالضَّرَّاءِوَالْكَاظِمِينَالْغَيْظَوَالْعَافِينَعَنِالنَّاسِوَاللَّهُيُحِبُّالْمُحْسِنِينَ (134)} سورةآلعمران
{ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ }أي: فيالشدةوالرخاء،والمَنْشَطوالمَكْرَه،والصحةوالمرض،وفيجميعالأحوال،كماقال: { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً } [البقرة:274]. والمعنى: أنهملايشغلهمأمْرعنطاعةاللهتعالىوالإنفاقفيمَرَاضِيه،والإحسانإلىخلقهمنقراباتهموغيرهمبأنواعالبر.
وقوله: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ }أي: إذاثاربهمالغيظكظموه،بمعنى: كتموهفلميعملوه،وعَفَوْامعذلكعمنأساءإليهموقد ورد في بعض الآثار: "يقول الله تعالى: ابنَ آدَمَ، اذْكُرْنِي إذَا غَضِبْتَ، أَذْكُرُكَ إذَا غَضِبْتُ، فَلا أُهْلِكُكَ فيمن أهْلِكَ"رواهابنأبيحاتم .
وقدقالأبويعلىفيمسنده: حدثناأبوموسىالزّمن،حدثناعيسىبنشُعَيبالضَّرِيرأبوالفضل،حدثناالربيعبنسليمانالجيزيعنأبيعمروبنأنسبنمالك،عنأبيهقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللهُ عَنْهُ عَذَابَهُ، وَمَنْ خزَنَ لِسَانَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنِ اعْتَذَرَ إلَى اللهِ قَبِلَ عُذْرَهُ" [و] هذاحديثغريب،وفيإسنادهنظر .
وقالالإمامأحمد: حدثناعبدالرحمن،حدثنامالك،عنالزهري،عنسعيدبنالمسيَّب،عنأبيهريرة،رضياللهعنه،عنالنبيصلىاللهعليهوسلم،قال: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرُعة، وَلَكِنَّ الشَّدِيدَ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".وقدرواهالشيخانمنحديثمالك .
وقالالإمامأحمد: حدثناأبومعاوية،حدثناالأعمش،عنإبراهيمالتَّيْميّ،عنالحارثبنسُوَيد،عنعبدالله،هوابنمسعود،رضياللهعنه،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أحَبُّ إلَيْه مِنْ مَالِهِ؟" قال: قالوا: يا رسول الله، ما منا أحد إلا مَالهُ أحب إليه من مال وارثه. قال: "اعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا مَالُ وَارِثِهِ أحَبُّ إلَيْه مِنْ مَالهِ مَالَكَ مِنْ مَالَكَ إلا مَا قَدَّمَتْ، ومَالُ وَارِثَكَ مَا أخَّرْتَ". قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا تَعُدُّونَ فِيْكُمُ الصُّرعَة؟" قلنا: الذي لا تَصْرَعه الرجال، قال: قال "لا ولكن الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ". قال: قال(13) رسول الله صلىالله عليه وسلم: "مَا تَعُدُّونَ فِيْكُمُ الرَّقُوبَ؟" قال: قلنا: الذي لا ولد له. قال: "لا ولكن الرَّقُوبَ الَّذِي لم يُقَدِّمْ مِنْ ولَدِهِ شَيْئًا".
أخرجالبخاريالفصلالأولمنهوأخرجمسلمأصلهذاالحديثمنروايةالأعمش،به .
حديثآخر: قالالإمامأحمد: حدثنامحمدبنجعفر،حدثناشُعْبة،سمعتعُرْوةبنعبداللهالجَعْفِيّيحدثعنأبيحصبة،أوابنحصبة،عن رجل شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: "تَدْرُونَ مَا الرَّقُوبُ؟" قالوا الذي لا ولد له. قال: "الرَّقُوبُ كُلُّ الرَّقُوبِ الَّذِي لَهُ وَلَدٌ فَمَاتَ، وَلَمْ يُقَدِّمْ مِنْهُمْ شَيْئًا". قال: "تَدْرُونَ مَا الصُّعْلُوكُ؟" قالوا: الذي ليس له مال. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصُّعْلُوكُ كُلُّ الصُّعْلُوكِ الَّذِي لَهُ مَالٌ، فَمَاتَ وَلَمْ يُقَدِّمْ مِنْهُ شَيْئًا". قال: ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا الصُّرَعَةُ؟" قالوا: الصريع. قال: فقال صلى الله عليه وسلم الصُّرَعَةُ كُلُّ الصُّرَعَةِ الَّذِي يَغْضَبُ فَيَشْتَدُّ غَضَبُهُ، وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ، وَيَقْشَعِرُّ شَعْرُهُ، فَيَصْرَعُ غَضَبَهُ" .
حديثآخر: قالالإمامأحمد: حدثناابننُمَيْر،حدثناهشام -هوابنعروة-عنأبيه،عنالأحنفبنقيس،عنعملهيقالله: جَارية بن قُدامة السعدي؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، قل لي قولا ينفعني وأقْلِل عليّ، لعلي أعيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَغْضَبْ". فأعاد عليه حتى أعاد عليه مرارا، كل ذلك يقول: "لا تَغْضَبْ".
وكذارواهعنأبيمعاوية،عنهشام،به. ورواه [أيضا] عنيحيىبنسعيدالقطان،عنهشام،به؛أنرجلاقال: يارسولالله،قلليقولاوأقْلِلعلَيَّلَعَلّيأعقِله. قال: "لا تَغْضَبْ".
الحديثانفردبهأحمد .
حديثآخر: قالأحمد: حدثناعبدالرزاق،أخبرنامَعْمَر،عنالزهري،عنحُمَيدبنعبدالرحمن،عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رجل: يا رسول الله، أوصني. قال: "لا تَغْضَبْ". قال الرجل: ففكرت حين قال صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله.
انفردبهأحمد .
حديثآخر: قالالإمامأحمد: حدثناأبومعاوية،حدثناداودبنأبيهِنْدعنبنأبيحَرْببنأبيالأسود،عنأبيالأسود،عنأبيذَرّقال: كانيسقيعلىحوضله،فجاءقومقالواأيكميوردعلىأبيذرويحتسبشعراتمنرأسهفقالرجل: أنا. فجاءالرجلفأوردعليهالحوضفدقه،وكانأبوذرقائمافجلس،ثماضطجع،فقيلله: ياأباذر،لمجلستثماضطجعت؟فقال: إنرسولاللهصلىاللهعليهوسلمقاللنا: "إذَاغَضِبَأَحَدُكُمْوَهُوَقَائِمٌفَلْيَجْلِسْ،فإنذَهَبَعَنْهُالْغَضَبُوَإِلافَلْيَضْطَجِعْ".
ورواهأبوداود،عنأحمدبنحنبلبإسناده،إلاأنهوقعفيروايته: عنأبيحرب،عنأبيذر،والصحيح: ابنأبيحرب،عنأبيه،عنأبيذر،كمارواهعبداللهبنأحمد،عنأبيه .
حديثآخر: قالالإمامأحمد: حدثناإبراهيمبنخالد: حدثناأبووائلالصَّنْعَانيقال: كناجلوساعندعرْوةبنمحمدإذدخلعليهرجل،فكلمهبكلامأغضبه،فلماأنغضبقام،ثمعادإليناوقدتوضأفقال: حدثنيأبي،عنجديعطية -هوابنسعدالسعدي،وقدكانتلهصحبة-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الْغَضَبُ مِنَ الشَّيْطَانِ، وإنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ وإنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالماءِ، فَإذَا أُغْضِبَ أحَدُكُمْ فَلْيَتَوضَّأْ".
وهكذارواهأبوداودمنحديثإبراهيمبنخالدالصنْعَاني،عنأبيوائلالقاصالمُرَاديالصَّنْعَاني: قالأبوداود: أراهعبداللهبنبَحير .
حديثآخر: قالالإمامأحمد: حدثناعبداللهبنيزيد،حدثنانوحبنجَعْوَنةالسُّلَمي،عنمقاتلبنحَيَّان،عنعطاء،عنابنعباسقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ وَقَاهُ اللهُ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، ألا إنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوُةٍ -ثلاثا-ألا إنَّ عَمَلَ النَّار سَهْلٌ بسَهْوة. والسَّعِيدُ مَنْ وقيَ الفِتَنَ، ومَا مِنْ جَرْعَةٍ أحَبُّ إلَى اللهِ [عز وجل] مِنْ جَرْعَةِ غَيْظٍ يَكْظِمُهَا عَبْدٌ، مَا كَظَمَهَا عَبْدٌ للهِ إلا مَلأ جَوْفُه إيمَانًا".
انفردبهأحمد،إسنادهحسنليسفيهمجروح،ومتنهحسن .
حديثآخرفيمعناه: قالأبوداود: حدثناعقبةبنمُكرَم،حدثناعبدالرحمن -يعنيابنمَهْدي-عنبشر -يعنيابنمنصور-عنمحمدبنعَجْلان،عنسُوَيدبنوَهْب،عن رجل من أبناء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُنْفِذَه مَلأهُ اللهُ أَمْنًا وَإيمانًا، وَمَنْ تَرَكَ لُبْسَ ثَوْبِ جَمَال وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْه -قال بِشر: أحسبه قال: "تَوَاضُعًا"-كَسَاهُ اللهُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ، وَمَنْ زَوَّجَ للهِ كَسَاهُ اللهُ تَاجَ الْمُلْكِ" .
حديثآخر: قالالإمامأحمد: حدثناعبداللهبنيَزيد،حدثناسعيد،حدثنيأبومَرْحُوم،عنسَهْلبنمُعَاذبنأنس،عنأبيه؛أنرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَه، دَعَاهُ اللهُ عَلَى رُؤُوسِ الْخَلائِقِ، حَتَّى يُخيرَهُ مِنْ أيِّ الْحُورِ شَاءَ".
ورواهأبوداودوالترمذي،وابنماجة،منحديثسعيدبنأبيأيُّوب،به. وقالالترمذي: حسنغريب .
حديثآخر: قال: عبدالرزاق: أخبرناداودبنقَيْس،عنزيدبنأسلم،عنرجلمنأهلالشام -يقالله: عبدالجليل-عنعمله،عن أبي هريرة في قوله تعالى: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ } أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كظم غيظا، وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمنا وإيمانا".رواهابنجرير .
حديثآخر: قالابنمَرْدُويَه: حدثناأحمدبنمحمدبنزياد،أخبرنايحيىبنأبيطالب،أخبرناعليبنعاصم،أخبرنييونسبنعبيدعنالحسن،عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تَجَرَّعَ عبد من جُرْعَةٍ أفضل أجرا من جرعة غيظ كظمها ابتغاء وجه الله".
وكذارواهابنماجةعنبشربنعمر،عنحَمَّادبنسلمة،عنيونسبنعُبَيد،به .
فقوله: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ }أي: لايعملونغضبهمفيالناس،بليكفونعنهمشرهم،ويحتسبونذلكعنداللهعزوجل.
ثمقال [تعالى] { وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ }أي: معكفالشريعفونعمنظلمهمفيأنفسهم،فلايبقىفيأنفسهممَوجدةعلىأحد،وهذاأكملالأحوال،ولهذاقال: { وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }فهذامنمقاماتالإحسان.
وفيالحديث: "ثلاث أُقْسِمُ عليهن: ما نقص مال من صدقة، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عِزا، ومن تواضع لله رفعه الله " .
وروىالحاكمفيمستدركهمنحديثموسىبنعُقبة،عنإسحاقبنيحيىبنطلحةالقُرشي،عنعُبَادةبنالصامت،عن أبي بن كعب؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سره أن يُشْرَف له البنيان، وترفع له الدرجات فَلْيَعْفُ عمن ظلمه، ويعط من حرمه، ويَصِلْ من قطعه".
ثمقال: صحيحعلىشرطالشيخين،ولميخرجاهوقدأوردهابنمردويهمنحديثعلي،وكعببنعُجْرة،وأبيهريرة،وأمسلمة،بنحوذلك. ورويعنطريقالضحاك،عنابنعباسقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد يقول: أين العافون عن الناس؟ هَلُمُّوا إلى ربكم، وخذوا أجوركم، وحق على كل امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة".
تفسير ابن كثير
اللهم اجعلنا من الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس
واعفو عنا يا عفو